في ظل تحولات إقليمية ودولية متسارعة، جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر خلال الفترة من 6 إلى 8 أبريل 2025 كخطوة دبلوماسية نوعية تستهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي والتنموي والثقافي.
ترحيب رئاسي حافل في القاهرة
بدأت الزيارة بلقاء رسمي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي، حيث أُجريت مراسم استقبال رسمية في قصر الاتحادية، تخللتها تحية العلم واستعراض حرس الشرف. وقد عبّر الرئيس السيسي في كلمته الافتتاحية عن “ترحيب مصر العميق بالرئيس الفرنسي”، مؤكدًا على “تاريخية العلاقات الثنائية وقوة الروابط بين الشعبين”.
ملفات سياسية ساخنة. أبرزها غزة وليبيا
تصدر المشهد السياسي ملفات الأزمات الإقليمية، وعلى رأسها الوضع في غزة، حيث أثنى ماكرون على الدور المصري القيادي في الوساطة لوقف إطلاق النار، وإدارة عمليات الإغاثة وإجلاء الجرحى. كما ناقش الجانبان تطورات المشهد الليبي، وأهمية دعم الانتخابات هناك، إضافة إلى الأوضاع في السودان وسوريا.
وقد أكد ماكرون أن “مصر تلعب دورًا محوريًا في استقرار الشرق الأوسط”، داعيًا إلى “ضرورة بناء نظام إقليمي قائم على التعاون والسلام”.
توقيع اتفاقيات استراتيجية بقيمة 7 مليار يورو
واحدة من أبرز لحظات الزيارة تمثلت في توقيع اتفاقية تاريخية بين مصر وتحالف شركات فرنسية لإنشاء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في منطقة رأس شقير، باستثمارات تتجاوز 7 مليارات يورو. المشروع يهدف إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة، ضمن رؤيتها 2030.
أهم الاتفاقات المبرمة بين مصر وفرنسا
تم خلال زيارة ماكرون لمصر التوقيع على عدة اتفاقيات في مجالات مختلفة، منها:
-
التعاون الاقتصادي والاستثماري
أبرمت مصر وفرنسا خلال الزيارة صفقات استثمارية ضخمة، كان أبرزها:
أ. مشروعات الطاقة المتجددة
- اتفاقيات استثمارية بقيمة 3 مليارات يورو في مجالات الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وذلك في صعيد مصر.
- تعاون بين الشركة الفرنسية إنجي (Engie) والشركة المصرية نيوم (NEOM) لتطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر
- نقل التكنولوجيا الفرنسية في مجال الطاقة النووية السلمية لدعم محطة الضبعة النووية
ب. البنية التحتية والنقل
- تعزيز التعاون في مجال النقل والبنية التحتية، بما في ذلك مشروعات مترو الأنفاق والطرق السريعة تحديث شبكة السكك الحديدية المصرية بالتعاون مع شركة ألستوم (Alstom).
- دعم الشركات الفرنسية العاملة في مصر، مثل شركة أورانج للاتصالات وشركة توتال للطاقة.
-
التعاون العسكري والأمني
شهدت الزيارة تعزيزًا كبيرًا في الشراكة الدفاعية بين البلدين، حيث تم الإعلان عن:
- صفقة أسلحة جديدة تشمل طائرات رافال (Rafale) وأنظمة دفاع جوي متطورة.
- تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي.
-
التعاون الثقافي والعلمي
- إطلاق برامج تبادل طلابي بين الجامعات المصرية والفرنسية وذلك بإنشاء 100 مدرسة فرنكوفونية بالتعاون مع وزارة التعليم المصرية.
- تعزيز التعاون الأكاديمي بين الجامعات المصرية والفرنسية وذلك بالتعاون بين جامعة القاهرة وجامعة السوربون في مجال البحث العلمي.
- ترميم الآثار المصرية بدعم فرنسي، خاصة في منطقة الأقصر، بدعم من المعهد الفرنسي للآثار الشرقية (IFAO).
وقد أشاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بهذه الاتفاقيات، مؤكدًا أنها “ستعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين“.
كلمات ماكرون: “الضيافة المصرية لا تُنسى”
في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس السيسي، قال ماكرون:
| “أشكر الشعب المصري على هذه الضيافة الرائعة، لقد وجدت في القاهرة روح التاريخ والحضارة والانفتاح على المستقبل.” |
وأضاف:
“ما لمسته خلال هذه الزيارة هو أن مصر ليست فقط شريكًا استراتيجيًا، بل حليف حقيقي في مواجهة تحديات عالم متغير.”
جولة ماكرون في خان الخليلي والمتحف الكبير
زار الرئيس الفرنسي منطقة خان الخليلي، حيث التقى بعدد من الفنانين والحرفيين، وعبّر عن إعجابه بجمال الفنون التراثية. كما تجول في المتحف المصري الكبير، مبدياً انبهاره بعظمة الحضارة المصرية.
وقام بزيارة إلى جامعة القاهرة، حيث ألقى خطابًا أمام الطلاب تحدث فيه عن “أهمية التبادل الثقافي والمعرفي”، وأعلن عن تقديم منح دراسية للطلاب المصريين للدراسة في فرنسا ضمن برنامج Erasmus+.
زيارة رمزية إلى العريش
في خطوة ذات دلالات إنسانية وسياسية، رافق الرئيس السيسي ماكرون في زيارة إلى مدينة العريش، حيث تفقدا المشروعات التنموية، والتقيا فرق الإغاثة المتواجدة لدعم الفلسطينيين القادمين من غزة. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك، قال ماكرون:
“هذا المكان يختزل معاني التضامن الإنساني، وأحيي جهود مصر في دعم أشقائها.”
ردود الفعل المحلية في مصر وفرنسا
-
في مصر
أ. الرأي العام والإعلام
- أشادت الصحف المصرية، مثل الأهرام والوطن، بالزيارة ووصفتها بأنها “نقلة نوعية في العلاقات الثنائية“.
- تناولت القنوات التلفزيونية الفوائد الاقتصادية المتوقعة، مثل خلق فرص عمل وتطوير البنية التحتية.
ب. الخبراء والاقتصاديون
- أكد الدكتور محمد عبد العال (خبير اقتصادي) أن “الاتفاقيات ستدعم النمو الاقتصادي المصري بنسبة 2% سنويًا“.
- رأى الدكتور أحمد السيد (أستاذ العلوم السياسية) أن “فرنسا تسعى لتعويض النفوذ الأمريكي المتراجع في المنطقة“.
ج. الشارع المصري
- تفاعل المواطنون بشكل إيجابي، خاصة مع أخبار المنح الدراسية والاستثمارات الجديدة.
- عبر بعض النشطاء عن أملهم في أن تترجم الاتفاقيات إلى تحسين الخدمات العامة.
-
في فرنسا
أ. الإعلام الفرنسي
- وصفت صحيفة لو موند (Le Monde) الزيارة بأنها “انتصار للدبلوماسية الفرنسية في أفريقيا والزيارة بأنها “محطة استراتيجية لإعادة رسم خارطة الشراكة الأورومتوسطية”.
- ذكرت قناة فرانس 24 (France 24) أن “مصر أصبحت شريكًا استراتيجيًا لفرنسا في المنطقة“.
ب. الرأي العام الفرنسي
- رحب المواطنون الفرنسيون بزيادة الاستثمارات في مصر، مما يعزز الاقتصاد الفرنسي.
- أشادت النخبة السياسية بالتعاون العسكري، خاصة في مكافحة الهجرة غير الشرعية.
ردود فعل دولية واسعة
لاقى اللقاء اهتمامًا واسعًا من وسائل الإعلام العالمية، بينما ركّزت The Guardian على مشاريع الطاقة المتجددة كـ “مدخل لنفوذ فرنسي جديد في إفريقيا والشرق الأوسط”. ومن أبرز رادات الفعل الدولية:
-
الولايات المتحدة
أشاد البيت الأبيض بالتعاون المصري-الفرنسي، ووصفه بأنه “خطوة إيجابية لتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط“.
-
الاتحاد الأوروبي
رحب المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية بالاتفاقيات، مؤكدًا أنها “تعزز الشراكة بين أوروبا ومصر“.
-
دول الخليج
أعربت السعودية والإمارات عن دعمهما للتعاون الاقتصادي، خاصة في مجال الطاقة النظيفة.
كما غردت شخصيات بارزة عبر منصة X (تويتر سابقًا) بكلمات إشادة، من بينها:
-
)كريستالينا جورجيفا (مديرة صندوق النقد الدولي
“خطوة ممتازة تعزز استقرار الاقتصاد المصري والتحول للطاقة النظيفة.”
-
)أنطونيو غوتيريش (الأمين العام للأمم المتحدة:
“مبادرات السلام المصرية والتعاون الأوروبي في غزة تمثل نموذجًا يُحتذى به.”
تفاعل كبير على السوشيال ميديا
على وسائل التواصل الاجتماعي، تصدرت هاشتاجات مثل:
- #ماكرون_في_مصر
- #الهيدروجين_الأخضر
- #شراكة_مصرية_فرنسية
- #العريش
- #مصر_فرنسا_2025
تويتر، فيسبوك، وإنستغرام شهدت آلاف التفاعلات من مغردين مصريين وفرنسيين، حيث عبّر العديد عن فخرهم بالزيارة، خاصة ما تعلق بجانب التعليم والبيئة والثقافة.
تحليل دلالات الزيارة
- إعادة تموضع فرنسا في الشرق الأوسط: ماكرون يسعى لتثبيت قدم فرنسا كشريك رئيسي في ملفات الطاقة والتنمية.
- مصر بوابة إفريقيا وأوروبا: الاتفاقيات تؤكد المكانة المحورية لمصر في مشاريع البنية التحتية والطاقة العابرة للحدود.
- الهيدروجين الأخضر.. طاقة المستقبل: خطوة نحو التحول من الاقتصاد الكربوني إلى الاقتصاد الأخضر، معززًا التموضع المصري على خريطة الطاقة النظيفة العالمية.
- توسيع نطاق التعليم والتعاون الأكاديمي: يعزز القوى الناعمة لكلا البلدين، ويخلق جيلًا جديدًا من النخب الثنائية اللغة والثقافة.
الخلاصة :
زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصر كانت خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، حيث أثمرت عن اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وثقافية ستؤثر إيجابيًا على البلدين. كما لاقت الزيارة ترحيبًا دوليًا ومحليًا، مما يعكس قوة العلاقات المصرية الفرنسية.
زيارة الرئيس ماكرون إلى مصر لم تكن زيارة بروتوكولية فقط، بل جسدت تحولًا جوهريًا في العلاقات الثنائية، وانتقالًا من التعاون التقليدي إلى شراكة مستقبلية متعددة الأبعاد تشمل:
- تنمية الاقتصاد الأخضر
- انشاء منظومة تعليم ذكي مشتركة بين البلدين
- تجلي الدبلوماسية الإنسانية رغم الظروف الجيوسياسية
- مواجهة مشتركة للتحديات الأمنية
وينبغي على وسائل الإعلام وصناع القرار البناء على هذه الزيارة لمواصلة الدفع بالعلاقات إلى آفاق أرحب، وتعزيز دور مصر كفاعل محوري في المعادلات الإقليمية والدولية.
